سورة الأحزاب - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


{هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (11)}
{هنا} للقريب من المكان. و{هنالك} للبعيد. و{هناك} للوسط. ويشار به إلى الوقت، أي عند ذلك اختبر المؤمنون ليتبين المخلص من المنافق. وكان هذا الابتلاء بالخوف والقتال والجوع والحصر والنزال. {وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً} أي حركوا تحريكا.
قال الزجاج: كل مصدر من المضاعف على فعلال يجوز فيه الكسر والفتح، نحو قلقلته قلقالا وقلقالا، وزلزلوا زلزالا وزلزالا. والكسر أجود، لان غير المضاعف على الكسر نحو دحرجته دحراجا. وقراءة العامة بكسر الزاي. وقرأ عاصم والجحدري {زلزالا} بفتح الزاي. قال ابن سلام: أي حركوا بالخوف تحريكا شديدا.
وقال الضحاك: هو إزاحتهم عن أماكنهم حتى لم يكن لهم إلا موضع الخندق.
وقيل: إنه اضطرابهم عما كانوا عليه، فمنهم من اضطرب في نفسه ومنهم من اضطرب في دينه. و{هُنالِكَ} يجوز أن يكون العامل فيه {ابْتُلِيَ} فلا يوقف على {هُنالِكَ}. ويجوز أن يكون {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} فيوقف على {هُنالِكَ}.


{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (12)}
قوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أي شك ونفاق. {ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} أي باطلا من القول. وذلك أن طعمة بن أبيرق ومعتب ابن قشير وجماعة نحو من سبعين رجلا قالوا يوم الخندق: كيف يعدنا كنوز كسرى وقيصر ولا يستطيع أحدنا أن يتبرز؟ وإنما قالوا ذلك لما فشا في أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قوله عند ضرب الصخرة، على ما تقدم في حديث النسائي، فأنزل الله تعالى هذه الآية.


{وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً (13)}
قوله تعالى: {وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} الطائفة تقع على الواحد فما فوقه. وعني به هنا أوس بن قيظي والد عرابة بن أوس، الذي يقول فيه الشماخ:
إذا ما راية رفعت لمجد *** تلقاها عرابة باليمين
و{يثرب} هي المدينة، وسماها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طيبة وطابة.
وقال أبو عبيدة: يثرب اسم أرض، والمدينة ناحية منها. السهيلي: وسميت يثرب لان الذي نزلها من العماليق اسمه يثرب بن عميل بن مهلائيل بن عوض بن عملاق بن لاوذ بن إرم.
وفي بعض هذه الأسماء اختلاف. وبنو عميل هم الذين سكنوا الجحفة فأجحفت بهم السيول فيها. وبها سميت الجحفة. {لا مقام لكم} بفتح الميم قراءة العامة. وقرأ حفص والسلمى والجحدري وأبو حيوة: بضم الميم، يكون مصدرا من أقام يقيم، أي لا إقامة، أو موضعا يقيمون فيه. ومن فتح فهو اسم مكان، أي لا موضع لكم تقيمون فيه. {فَارْجِعُوا} أي إلى منازلكم. أمروهم بالهروب من عسكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن عباس: قالت اليهود لعبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه من المنافقين: ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان وأصحابه! فارجعوا إلى المدينة فإنا مع القوم فأنتم آمنون. قوله تعالى: {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ} في الرجوع إلى منازلهم بالمدينة، وهم بنو حارثة ابن الحارث، في قول ابن عباس.
وقال يزيد بن رومان: قال ذلك أوس بن قيظي عن ملا من قومه. {يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ} أي سائبة ضائعة ليست بحصينة، وهي مما يلي العدو.
وقيل: ممكنة للسراق لخلوها من الرجال. يقال: دار معورة وذات عورة إذا كان يسهل دخولها. يقال: عور المكان عورا فهو عور. وبيوت عورة. وأعور فهو معور.
وقيل: عورة ذات عورة. وكل مكان ليس بممنوع ولا مستور فهو عورة، قاله الهروي. وقرأ ابن عباس وعكرمة ومجاهد وأبو رجاء العطاردي: {عورة} بكسر الواو، يعني قصيرة الجدران فيها خلل. تقول العرب: دار فلان عورة إذا لم تكن حصينة. وقد أعور الفارس إذا بدا فيه خلل للضرب والطعن، قال الشاعر:
متى تلقهم لم تلق في البيت معورا *** ولا الضيف مفجوعا ولا الجار مرملا
الجوهري: والعورة كل خلل يتخوف منه في ثغر أو حرب. النحاس: يقال أعور المكان إذا تبينت فيه عورة، وأعور الفارس إذا تبين فيه موضع الخلل. المهدوي: ومن كسر الواو في {عورة} فهو شاذ، ومثله قولهم: رجل عور، أي لا شيء له، وكان القياس أن يعل فيقال: عار، كيوم راح، ورجل مال، أصلهما روح ومول. ثم قال تعالى: {وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ} تكذيبا لهم وردا عليهم فيما ذكروه. {إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً} أي ما يريدون إلا الهرب. قيل: من القتل.
وقيل: من الدين.
وحكى النقاش أن هذه الآية نزلت في قبيلتين من الأنصار: بني حارثة وبني سلمة، وهموا أن يتركوا مراكزهم يوم الخندق، وفيهم أنزل الله تعالى: {إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا} [آل عمران: 122] الآية. فلما نزلت هذه الآية قالوا: والله ما ساءنا ما كنا هممنا به، إذ الله ولينا.
وقال السدي: الذي استأذنه منهم رجلان من الأنصار من بني حارثة أحدهما- أبو عرابة بن أوس، والآخر أوس بن قيظي. قال الضحاك: ورجع ثمانون رجلا بغير إذنه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8